[center]من الضروري لكل أب ومربي قراءة واستيعاب هذه المفاتيح .. واعتقد أنها ستقوم بتغيير جذري في سلوكنا التربوي تجاه أبناءنا .. (علاء)
"إن استمرار التوتر بيننا وبين أطفالنا، سيشعرهم أننا قاصرين عن الفهم السليم لكيانهم وعالمهم ودوافعهم ، الأمر الذي سيحدو بهم تدريجيا إلى نزع ثقتهم منا والانزواء في عالمهم الخاص، ليقدموا لنا مع بداية مرحلة 'مراهقتهم' الفاتورة الإجمالية لعلاقتنا بهم ، مكتوب عليها : (أنا لا أثق بكم)!! "
المفاتيح السبعة لفهم عالم الطفل
أولا:- كيف نفهم عالم الطفل ؟
يظن كثير من الآباء أن مجرد اجتهادهم في تلقين الطفل قيما تربوية إيجابية ، كفيل بتحقيق نجاحهم في مهمتهم التربوية ، وعند اصطدام معظمهم باستعصاء الطفل على الانقياد لتلك القيم ، يركزون تفسيراتهم على الطفل في حد ذاته ، باعتباره مسؤولا عن ذلك الفشل ولم يكلف أغلبهم نفسه مراجعة السلوك التربوي الذي انتهجه ، فأدى ذلك المآل إلى مزيد من توتير العلاقة بينهم وبين أبنائهم .
فأين يكمن الخلل إذن ؟ هل في أبنائنا ؟ أم فينا نحن الكبار؟أم هو كامن في الوسط الاجتماعي العام ؟ وما هي تلك الحلقة المفرغة في العملية التربوية التي تجعل جهدنا في نهاية المطاف بغير ذي جدوى ؟
وباختصار:- كيف نستطيع تنشئة الطفل بشكل يستجيب فيه للقيم التربوية التي نراها، 'بأقل تكلفة' ممكنة ؟ وهل نستطيع نحن الآباء أن نحول تربيتنا لأطفالنا من كونها عبأ متعبا ؟ إلى كونها متعة رائعة ؟ هل بالإمكان أن تصبح علاقتنا بأطفالنا أقل توترا وأكثر حميمية مما هي عليه الآن ؟ هل نكون متفائلين بلا حدود إذا أجبنا عن هذه الأسئلة بالإيجاب؟ ماذا لو جازفنا منذ البداية ؟ وقلنا بكل ثقة : - نعم بالتأكيد نستطيع . فتعالوا إذن لنرى كيف نستطيع فعليا أن:-
- نجعل من تربيتنا لأطفالنا متعة حقيقية .
- نجعل أطفالنا أكثر اطمئنانا و سعادة دون أن نخل بالمبادئ التي نرجو أن ينشؤوا عليها .
- نجعل علاقتنا بأطفالنا أكثر حميمية .
- نحقق أكبر قدر من الفعالية في تأثيرنا على أبنائنا ؟
السؤال المطروح بهذا الصدد هو : - إذا أردت أن تكون أبا ناجحا ، أو أن تكوني أما ناجحة ، فهل عليك أن تضطلع بعلوم التربية وتلم بالمدارس النفسية وتتعمق في الأمراض الذهنية والعصبية ؟؟؟ ... بالطبع لا .
ما عليك إذا أردت أن تكون كذلك إلا أن تفهم عالم الطفل كما هو حقيقة ، وتتقبل فكرة مفادها : - أنك لست 'أبا كاملا' وأنك لست 'أما كاملة' ... فتهيء نفسك باستمرار كي تطور سلوكك تجاه طفلك ، إذ ليس هناك أب كامل بإطلاق ولا أم كاملة بإطلاق ..
كما عليك أن لا تستسلم لفكرة أنك 'أب سيء' وأنك 'أم سيئة'، فتصاب بالإحباط والقلق فكما أنه ليس هناك أب كامل ولا أم كاملة بإطلاق، فكذلك ليس هناك أب سيء ولا أم سيئة بإطلاق .
فالآباء تجاه التعامل مع عام الطفل صنفان غالبان : -
الصنف الأول: - يعتبر عالم الطفل نسخة مصغرة من عالم الكبار ، فيسقط عليه خلفياته وتصوراته .
الصنف الثاني : - يعتبر عالم الطفل مجموعة من الألغاز المحيرة والطلاسم المعجزة ، فيعجز عن التعامل معه .
إن عالم الطفل في الواقع ليس نسخة مصغرة من عالم الكبار، ولا عالما مركبا من ألغاز معجزة .
بل هو عالم له خصوصياته المبنية على مفاتيح بسيطة ، من امتلكها فهم وتفهم ، ومن لم يمتلكها عاش في حيرته وتعب وأتعب فما هي إذن مفاتيح عالم الطفل التي بها سنتمكن بها من فهم سلوكه وخلفياته على حقيقتها فنتمكن من التعامل الإيجابي معه ؟
ثانيا : - هكذا نفهم عالم الطفل : -
لعالم الطفل مفاتيح ، لا يدخله إلا من امتلكها ، ولا يمتلكها إلا من تعرف عليها ، وهي : -
1- الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة .
2- الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساسا وليس عبر الألم .
3- الزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمنا اجتماعيا .
4- العناد عند الطفل نزوع نحو اختبار مدى الاستقلالية وليس رغبة في المخالفة .
5- الفضاء عند الطفل مجال للتفكيك أي المعرفة وليس موضوعا للتركيب أي التوظيف .
6- كل رغبات الطفل مشروعة وتعبيره عن تلك الرغبات يأتي أحيانا بصورة خاطئة .
7- كل اضطراب في سلوك الطفل مرده إلى اضطراب في إشباع حاجاته التربوية .
وفي ما يلي تفصيل ذلك:-
بينما تأمره أن يقوم بإنجاز تمارينه المدرسية مثلا ، فإن استجابته لك لن تتحقق ما لم تربطها بمحفز يحقق له متعة منتظرة ، مثل الوعد بفسحة آخر الأسبوع أو زيارة من يحبه ... حتى يرتبط فعل الواجب لديه باستشعاره للمتعة التي سوف يجنيها .
فيكون الهدف هو أن يصبح الطفل متعلقا بفعل الواجب قدر تعلقه بتحقيق تلك المتعة وما يدعم ذلك هو أن الطفل أثناء تنفيذه للواجب، فإنه يفعل ذلك بمتعة مصاحبة، كأن يغني وهو يكتب ، أو يقفز على رجل واحدة و هو ذاهب لجلب شيء ما .. وعلى أساس هذا الاعتبار تأسست مدارس تعليمية ، تعتمد اللعب وسيلة أساسية لتعليم الصغار .
ويعتقد بعض الآباء أن ربط الواجب بالمحفزات ،وخاصة المادية منها ، سوف يوقعهم في تدليل أبنائهم .
وهو ما نعتبره خلطا في المفاهيم قد يقع فيه الكثير ، وبكلمات سريعة موجزة نقول : - إن الدلال هو منح المتعة بدون ربطها بالقيام بالواجب ، وغالبا ما يكون تقديم تلك المتعة استجابة لابتزاز يمارسه الطفل على والديه ، بل هي أحيانا منح المتعة مقابل اقتراف الخطأ ، وذلك انحراف كبير في السلوك التربوي تجاه الأبناء . وما نتحدث عنه نحن بهذا الصدد مخالف كما ترى لهذه الصورة .
إن تفهم هذا الأمر عند الطفل سيجعل تعاملنا معه أثناء إلزامه بفعل الواجب تعاملا إيجابيا وخاليا من التوتر فالواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساسا وليس عبر الألم .
3 وحينما سيفهم الطفل أنه معاقب على كل ما قام به وما أحس به ، فسوف نكون مسهمين في إرباك التوازن النفسي لديه دون أن ندري . إننا إذا ما استطعنا التمييز بين السلوك الخاطئ والرغبة المشروعة ، فسوف نحقق مجموعة من الأمور دفعة واحدة ، ومنها : -
أولا: - إننا سنصبح أكثر تحكما في ردود أفعالنا تجاه السلوكيات الخاطئة لأطفالنا ، فنعاقب الطفل إذا ما عاقبناه على السلوك الخاطئ لا على الرغبة .
ثانيا: - إننا سنصبح أكثر تفهما لسلوك الطفل، وبالتالي فسنجد أنفسنا مفتوحين على خيارات أخرى غير العقاب المباشر، ولذلك فقد نكتفي بتنبيه الطفل ، أو على الأقل تخفيض مستوى العقاب إلى أدنى ما ممكن .
ثالثا:- سنكون بذلك التحكم في ردود أفعالنا وذلك التفهم لسلوك طفلنا مسهمين في الحفاظ على توازنه النفسي .فكل رغبات الطفل مشروعة و تعبيره عن تلك الرغبات أحيانا خاطئة.
7- كل اضطراب في سلوك الطفل مرده إلى اضطراب في إشباع حاجاته التربوية:-
لا يضطرب سلوك الطفل أبدا لأنه قد انحرف، ولكن لأنه يعاني من جوع فيما يخص حاجة من حاجاته التربوية والنفسية.
هذه القاعدة ينبغي أن تؤخذ باهتمام خاص، لأنك عن طريق استيعابها والاقتناع بها فستوفر عليك جهدا جهيدا لا طائل منه في تعاملك مع طفلك: ذلك أنه سيكون بإمكانك بدل أن تفكر في أنواع العقاب والزجر إذا ما لاحظت اضطرابا في سلوكه، أن تطرح على نفسك سؤالا مباشرا: ما هي الحاجة التربوية التي فرطت في تغذيتها حتى اضطرب سلوك طفلي إلى هذا الحد ؟
حينها ستجد الجواب بين يديك واضحا ، بل دعني أقول إنك إن قمت بمعالجة سلوكه بتغذية حاجته فسيكون لفعلك ذاك أثر سريع وفعال ترى نتائجه ولو بعد حين .
فقد يقوم ابنك بتكسير ألعابه وأشيائه مثلا ويضرب أقرانه ، وقد تعاقبه دون جدوى ، بل قد يزداد عدوانية . ولكنك لو أدركت أنه يعاني بكل بساطة من ضيق مجال تحركه ولعبه أو من شعور بإهماله حينما اهتممت بالضيوف ولم تحدثه أو تأخذه بين يديك كما تفعل دائما ، لو أدركت ذلك لعملت على تغذية حاجة تحقيق ذاته : - بأن توسع له مجال حركته أو ترفع من معنوياته بمزيد من الاهتمام ، حينها ستختفي بسهولة ويسر كل مظاهر العدوانية لديه .
وقد يعاني من شدة الخوف مثلا ، فيصبح مزعجا جدا ، لا يخطو خطوة إلا إن كنت مرافقه وتمسك بيده .. ومن أغرب ما عرفت أن آباء يشبعون أبناءهم ضربا لمجرد أنهم يخافون من الظلام ، ولا تكون النتيجة في الأخير إلا أن تتعمق لدى الطفل المسكين مشاعر فقدان الأمن.. في حين أنك لو علمت أنه يعاني من شعور عميق بفقدان الأمن إما نتيجة مسلسلات العنف التي يدمن على مشاهدتها ضمن حصة الرسوم المتحركة ، أو لشحك في ضمه والاهتمام به ورعايته ، أو لمبالغتك في مراقبته . لو أدركت ذلك لعملت على تغذية حاجة الأمن لديه : - بأن تنتقي معه ما يشاهده وتهتم بضمه والحنو عليه ولا تبالغ في مراقبته ومساعدته فكل اضطراب في تغذية حاجة الطفل يؤدي إلى اضطرا في سلوكه .
إستخلاص:- إن استمرار التوتر بيننا وبين أطفالنا، سيشعرهم أننا قاصرين على الفهم السليم لكيانهم ولعالمهم ولدوافعم ، الأمر الذي سيحدو بهم تدريجيا إلى نزع ثقتهم من ، والانزواء في عالمهم الخاص ، ليقدموا لنا مع بداية مرحلة 'مراهقتهم' الفاتورة الإجمالية لعلاقتنا بهم ، مكتوب عليها : - 'أنا لا أثق بكم' .
فلنحذر ذلك الموقف وباستحضارك المفاتيح السبعة التي بين يديك الآن ، ستكون قادرا أن تتفهم طفلك على وجه أصح ، وبالتالي ستكون قادرا على اختيار رد الفعل الصحيح تجاه أفعاله، لتتجاوز قدرا كبيرا من أسباب التوتر الذي لا مبرر له بينك و بين طفلك ، ولتدعم الثقة المتبادلة بينك و بينه .